للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التاسعة والعشرين بعد الثلاثمائة والألف، قال: ما اسم هذا المصر الذي تعمرونه؟ قلت: القاهرة المعزية، قال: أفي هذه الأمة كثير مثلك؟ قلت: لم أفهم ما تريد يا سيدي، قال: لقد استفتحت هذه الأبواب التي تليك فلم أجد من ورائها إلا ضعيفا لا يلبث أن يراني حتى يرعد مني فرقا فيوصد بابه في وجهي، أو ضنينا يرى بؤسي وشكاتي فيزوي ما بين حاجبيه ثم ينصرف عني، أو أعجميا لا يفهم ما أقول ولا أفهم ما يقول، قلت: ما في هذه الحلة التي تراها أعجمي قال: إنهم خاطبوني بلحن لا أعرفه وإن شئت أعدته عليك كما سمعته، ثم أخذ يسرد علي الكلمات العامية التي سمعها من الناس في طريقه إلي سردا متواصلا كما تسرد الببغاء كلماتها، فقلت: إنك قد أعدت يا سيدي بذكائك هذا عهد أبي العلاء المعري, فإنهم يتحدثون عنه أنه كان إذا سمع أعجميا يتكلم حفظ كلامه بدون أن يفهم معناه١ فما سمع كلمتي هذه حتى اضطرب جسمه وانكفأ لونه٢ ورأرأ بمقلتيه٣ وزحف إلي حتى اصطكت ركبتانا، فعجبت لأمره وما رأيت من استحالة حاله، ثم قال لي: من هو هذا المعري الذي حدثوك عنه؟ قلت: رجل


١ ذكر المؤرخون لأبي العلاء قصصا متعددة تتضمن أنه كان يحفظ ما يسمعه من الأعاجم بلغتهم, فيبقى في ذهنه زمنا طويلا حتى يلقيه كما سمعه.
٢ انكفأ لونه: تغير.
٣ رأرأ بمقلتيه: حركهما, وأدارهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>