للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شأن غير رعايتهن والقيام عليهن والحدب بهن، فكانت تؤثرهن بأفضل ما نؤثرها به من طعام وشراب, وتنزلهن من نفسها منزلة الواحد من أمه حتى امتلأن واكتنزن١ واستدرن للذبح، وكنت أبقي عليهن كلما طرقني طارق إبقاء على الفتاة أن ينفجر صدرها حزنا على أترابها الصغيرات، أما اليوم فلم أر من ذلك بدا فذبحتهن إكراما لك, فسال من دموع الفتاة عليهن أكثر مما سال من دمائهن.

فوجم الشيخ, ثم أطرق إطراقا طويلا سمعته يهينم٢ فيه بهذه الكلمات:

وا رحمتاه، ألا تزال هذه المُدى موكلة بهذه الأعناق، ألا يزال الحيوان الناطق ينكر على الحيوان الصامت حتى حسه ووجدانه ويأبى إلا أن ينظمه في سلك الجمادات الصم؛ لأنه صامت لا ينطق وأخرس لا يبين٣, ربما كان زقاء الديك وقوقأة الدجاجة وصرصرة البازي وهديل الحمام وزقزقة العصفور وثغاء


١ اكتنز اللحم: اجتمع وصلب.
٢ الهينمة: الصوت الخفي.
٣ من كلام أبي العلاء في إحساس الحيوان بالألم قوله في إحدى رسائله: "وقد علم أن الحيوان كله حساس يقع به الألم" وقوله: "ولم يزل من ينتسب إلى الدين يرغب في هجران اللحوم؛ لأنها لا يتوصل إليها إلا بإيلام حيوان يفر منه في كل أوان".

<<  <  ج: ص:  >  >>