للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحيوان ولا ثماره ولا نتاجه, فحميت نفسي حتى عسل النحل وبيض الدجاج وألبان ذوات الأثداء وأقنعتها بالبلسن طعاما والبلس حلوى١؛ لأني كنت أعلم أن النبات طعامي الذي لا يلائمني غيره ولا يشبهني سواه, وأن لحم الحيوان إنما خلق للشفاه الغليظة والأنياب العريضة والأظفار الحادة والجلود المزأبرة٢ والأعضاء المتوثبة والهامات الضخمة، وكنت أرى أن أكلة اللحوم إنما يخادعون أنفسهم فيها ويجترُّونها إلى طبائعهم اجترارا؛ لأنهم لا يأكلونها إلا إذا عالجوها بالطبخ والصف٣ والتقديد والشي والقلي ومزجوها بالخضر والتوابل والأبازير والأقزاح٤ مزجا يكاد يخرج بها عن جوهرها إلى جوهر النبات حتى إذا نزل بهم عارض مرض نزعوا عنها وبرئوا إلى الله منها, وفزعوا إلى النبات في طعامهم وشرابهم وعقاقيرهم كأنما يطلبون شفاءهم في الرجوع إلى غذائهم الطبيعي الذي خلقوا له.


١ البلسن: العدس, والبلس: التين, ومن كلام أبي العلاء:
يقنعني بلسن يمارس لي ... فإن أتتني حلاوة فبلس
٢ الثوب المزأبر: الذي له زئبر, وهو ما يظهر من درزه.
٣ الصف: تشريح اللحم عراضا.
٤ التوابل وما يليها: ما يطيب به المطبوخ من الأشياء اليابسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>