للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين أيديهم من أبواب العبادة إلا باب التورع عن أكل اللحم مخافة أن ينقلب المباح بإعراضهم عنه حراما كما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة التراويح بعد أدائها مخافة أن تنقلب سنتها باستمراره عليها فريضة١.

وأحسب أن لو كنت فيهم من أكلة السحت أو الميتة والدم ولحم الخنزير أو أموال الناس بالباطل لأوسعوا لي في صدورهم من العذر ما لم يوسعوا في ترك مباح ما تركته نقمة على الشريعة أو تبرما بها أو تمردا عليها, ولكنني كنت امرأ جزوعا يزعجني منظر الشرائح الحيوانية على مائدتي؛ لأنه يذكرني بمنظر الذبيحة وارتياعها وولهها بين حبل الذابح وسكينه وكنت فقيرا بائسا لا أملك في كل عام من الرزق إلا نيفا وعشرين دينارا, لا يتسع مثلها لمثل ما يتسع له عيش الناعمين المترفين٢ وما كنت


١ من كلام أبي العلاء في الذين يحفلون بصغائر الذنوب, ويغفلون كبارها:
يعيب أناس أن قوما تجردوا ... لحمامهم نصب العيون الشوازر
لقد سعدوا إن كان لم يجر عندهم ... من الوزر إلا تركهم للمآزر
٢ من كلام أبي العلاء في سبب امتناعه عن أكل اللحم قوله في بعض رسائله: "ومما حثني على ترك اللحم أن الذي لي في السنة نيف وعشرون دينارا, فإذا أخذ خادمي بعض ما يجب بقي ما لا يعجب، فاقتصرت على فول وبلسن وبعض ما لا يعذب في الألسن" ومن كلامه الدال =

<<  <  ج: ص:  >  >>