للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وشهواتها والنفوس لا تنفر إلا مما حل لها, ولا تشتهي إلا ما حرم عليها.

فويل لي من هؤلاء الناس شركتهم في دنياهم فقالوا: شره طماع, وصدفت لهم عنها فقالوا: زنديق ملحد, فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون١.

وما وصل من حديثه إلى هذا الحد حتى بلغ منه الجهد أو كاد فتفصد جبينه عرقا واستسر حديثه حتى ما يكاد يبين, فرثيت له مما به وأمرت برفع المائدة من بين يديه, وقدمت له مقترحه من الطعام فلبثنا نأكل صامتين حتى فرغنا فأردت أن أرفّه عليه ما ألم به من الهم فقلت له: يا مولاي إن للحيوان اليوم شأنا غير ذلك الشأن الذي تعرفه له من قبل, فقد ذهب كثير من الناس مذهب الرفق به والإحسان إليه واجتمع في كل مدينة من مدن العالم قوم من الراحمين المحسنين يأخذون أنفسهم بمناظرة المدارج والسبل والأسواق العامة, فإذا وجدوا من يحمل على دابته فوق ما تحتمل أو يسوطها سوطا عنيفا٢ رفعوا إلى


١ من كلام أبي العلاء في عدم رضاء الناس عنه, حتى في زهده عما في أيديهم:
حورفت في كل مطلوب هممت به ... حتى زهدت فما خليت والزهدا
٢ ساط دابته سوطا أي: ضربها بالسوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>