هنا يرى الإنسان الأرض الصلفاء يمر بها الماء وتلقى فيها البذور, فلا تلبث الشمس أن تجفف ماءها والريح أن تعصف ببذورها, فيعلم أن الحقائق الدينية لا يمكن أن تستقر في قلوب الأشرار إلى أن تبلغ شغافها, وأن الناس ما اختلفوا إلا لأنهم جاحدون، ولا اقتتلوا إلا لأنهم ملحدون.
هنا يرى الإنسان الشمس طالعة من مشرقها مصفرة اللون, متقاربة الخطوات مخافة أن تطير إليها رشاشة سوداء من مآثم هذا العالم ومخازيه, ثم لا تلبث أن تأخذ مكانها من كبد السماء حتى تنحدر إلى مغربها هاربة, فتنغمس في ماء البحر قبل غروبها لتغسل عن جرمها الأبيض المشرق ما ألم به من تلك الأدران والأوحال، ويرى الليل مقبلا يقطب وجهه ويزوي ما بين حاجبيه ويربد شيئا فشيئا حتى يسود غضبا على هذا المجتمع البشري فيما يقترفه تحت ستاره من المفاسد والشرور، ولا يزال مادا يديه بالدعاء إلى الله تعالى أن يعجل أوبته إلى مستقره حتى يستجيب له ويداول بينه وبين النهار، ويرى الكواكب قد كمنت وراء ستر الظلام ثم أطلت بعيونها على هذا العالم الأرضي مرغمة لتنفس عن رفيقها الليل بعض ما خالط قلبه من الهم والكمد, فلا تلبث أجفانها أن تطرف انغلاقا وانفتاحا مخافة أن