للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يصيبها سهم نافذ من سهام الأشرار التي تتطاير يمنة ويسرة وصعودا وهبوطا, فلا يقوم لها شيء إلا أتت عليه.

هنا يرى الإنسان الحقيقة في هذا العالم عارية الجسم, ويسمع صوتها واضح النبرات من حيث لا يحجب بصره تكلف المتكلفين، ولا خداع الخادعين، ولا يصد سمعه قرع النواقيس ولا صياح المؤذنين.

فقلت: حسبك يا مولاي فقد نال منك أجيج هذه الرمضاء, وإني أرى في رأس هذا الوادي رجلا أحسبه فلاح هذه الأرض, فامض بنا إليه علّه ييسر لنا ظلة نفيء إليها, وجرعة باردة نفثأ بها هذه الصارّة١، فمشينا إليه حتى بلغناه فرأيناه مكبا على تربته يفلحها ويقلب عاليها سافلها وقد شرست يده وشثنت قدماه وزأبر صدره٢، وأفرغ قرص الشمس في رأسه جعبة سهامه فتصبب عرقا حتى سالت منه على قدميه قطرات كقطرات البخار تسيل على جوانب القدر المضطرم, فحييناه بتحية حيا بأحسن منها, وأفضينا إليه بطلبتنا فأشار بيده إلى كوخه وكان منه على


١ يقال: فثأ القدر إذا سكن غليانها, والصارة: العطش.
٢ شرست اليد إذا غلظ ظهرها من برد فتشقق, وشثنت القدم إذا خشنت وغلظت, وزأبر الثوب إذا خرج له زئبر, وهو ما يظهر من درزه.

<<  <  ج: ص:  >  >>