والضجر، فيتألمون من الراحة أكثر مما يتألم التَّعِب من التَّعَب، ويقاسون من عذاب الوجود أكثر مما يقاسى المحروم من عذاب الحرمان، وقد تدفعهم تلك الحالة إلى الإلمام بمشتهيات غريبة لا تتفق مع الطبيعة البشرية ولا تدخل تحت حكمها، تفريجًا لكربتهم، وتنفيسًا عن أنفسهم، وما هؤلاء المساكين الذين نراهم سهارى طوال لياليهم في ملاعب القمار ومجالس الشراب ومواقف الرهان إلاَّ جماعة الفارين من سجون السآمة والملل، يعالجون الداء بالداء، ويفرون من الموت إلى الموت.
أحب أن يكون غنيًّا بالمعنى الحقيقي، لا بالمعنى الاصطلاحي، أي أن يكون مُستغنيًا بنفسه عن غيره، لا كثير المال والثراء، وما سُمي المال غني إلا باعتبار أنه وسيلة إلى الغني وطريق إليه، وهو اعتبار خطأ ما في ذلك ريب، فإن أكثر الناس فقرًا إلى المال وأشدهم طعمًا في إحرازه وأعظمهم مُخاطرة بكرامتهم وفضائل نفوسهم في سبيله هم الأغنياء أصحاب المال والثراء، وإن كان في الدنيا شيء يسمى قناعة واعتدالًا فهو من جانب الفقراء المقلين، أكثر منهُ في جانب الأغنياء المُكثرين، ولا يزال المرء يعتبر المال وسيلة إلى الحياة وذريعًة من ذرائعها حتى يكثر في يده فإذا هو في نظره الحياةُ نفسها، يجمعه ولا يدرى ماذا يريد منه، ويعبده