وهو لا يرجو ثوابه، ولا يخشى عقابه، ويستكثر منه وهو على ثقة من نفسه بأنه لا ينتفع بقليله، فضلًا عن كثيره، وإذا بلغ المرء في حالته العقلية إلى درجة أن تنقلب في نظره حقائق الكون وتتغير نواميسه فيرى الرءوس أذنابًا والأذناب رءوسًا، والوسائل غايات، والغايات وسائل، فقل على عقله السلام.
لا أكره أن ينشأ ولدى غنيًّا ولا أحب أن أعرضه لمخاطر الفقر وآفاقه، ولكني أخاف عليه الغنى أكثر مما أخاف عليه الفقر.
أخاف عليه أن يعتد بالمال اعتدادًا كثيرًا، وبقدره فوق قدره، ويعتبره الكمال الإنساني كله، فلا يهتم بإصلاح أخلاقه وتهذيب نفسه وألا يجد من حوله من أصدقائه ومعارفه مرآة يرى فيها هناته وعيوبه؛ لأن عشراء الأغنياء متملقون مداهنون يطوون سيئاتهم، ويزخرفون حسناتهم.
أخاف عليه أن تستحيل نفسه إلى نفس مادية جامدة لا تفهم من شئون الحياة غير المادة ولا تُعنى بشيء سواها، فيصبح رجلًا قاسيًا صلبًا ميت النفس والعواطف لا يرحم بائسًا، ولا يعطف على منكوب، ولا يرثي لأمة، ولا يبكى على وطن، ولا يشترك في شأن من شئون العالم العامة خيرها وشرها، ولا يعنيه ما دام