للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما ترك لهم آباؤهم وأجدادهم من مال وجاه، فأندب حظي في قبري وأقرع السنَّ على أن أكن فارقت هذه الحياة ولا مال لي فيها ولا ولد.

وما أزال أذكر حتى الساعة أنني مررت بأحد شوارع القاهرة من بضع سنين فرأيت في مكان واحد منه منظرين مُختلفين متناقضين، رأيت غلامًا من الوارثين جالسًا بإحدى الحانات يمرح في نعمائه، وآخر من المُتشردين نائمًا تحت الرصيف على مقربة منه يضطرب في بأسائه، أما الأول فقد كان جالسًا بين مائدتي شارب وقمار، تسلب الأولى عقله والأخرى ماله، وقد أحاط به جماعة من الخلعاء الماكرين يلعبون بعقله لعب الغلمان بالكرة في ميادينها، يضحكون لنكاته، ويؤمنون على أقواله، ويصدقون أكاذيبه، ويتحركون بحركته، ويسكنون بسكونه، وهو يقهقه بينهم قهقهة المجانين ويصيح صياح الثعالب، أما الثاني فقد كان عاريًا إلا قليلًا، يفتح إحدى عينيه من حين إلى حين كما رنّت في أذنه ضحكات هؤلاء السكارى وضوضاؤهم، ويضم ركبتيه إلى صدره كلما أحس بصوت مركبة مارة بجانبه، وقد يبسط كفه أحيانًا وهو مغمض إن خُيل إليه أن يدًا تمتد إليه بالإحسان، ولا يد هناك ولا إحسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>