يزورها غير العامة والسوقة والأميين والجاهلين, فإذا فتش عنكم في مكان آخر غيرها رآكم مزدحمين في مراقص كشكش والبربري وشرفنطح, راضين عن مقامكم فيها, مغتبطين بسفاسفها وهذياناتها؟
ألا تخشون أن يستنتج مستنتج منهم بعد ذلك وقد راعه هذان المشهدان الغريبان -مشهدكم في الأجواق الهزلية الساقطة ومشهد العامة والسوقة في الأجواق الجدية الشريفة- أن الأمة المصرية أمة غريبة الشأن يفسدها العلم ويصلحها الجهل، أو أن يتطرف متطرف منهم في رأيه فيقول: ليت الأمة عاشت جاهلة عمياء موفورا لها حظها من الأخلاق والآداب, فذلك خير لها من علم يهوي بها في مهواة الشقاء والعار.
لقد رأيت في حياتي صنوف الحيل والكيد وضروب السماجة والوقاحة, فلم أر بين المحتالين والمتوقحين من هو أعظم كيدا, ولا أسمج وجها من هؤلاء القوم.
إنهم يحاولون دائما أن يلبسوا مفاسدهم وشرورهم ثوب الفضيلة والجد, وهو وإن كان ثوبا شفافا ينم عما وراءه إلا أنه يكفيهم للذود عن أنفسهم في مواقف الجدل والمناظرة كما يكفي البرقع الشفاف المرأة المتهتكة للدخول في سلك المتحجبات.