عليه فريق فملئوا وجهه بصاقا في المسجد الجامع، وسمى قوم صاحب كتاب الإحياء حجة الإسلام ومزق آخرون كتابه ونثروه في مهاب الريح، وعاش المعري بين رضا الراضين عنه ونقمة الناقمين عليه، يلثم الأولون مواطئ قدميه ويسحبه الآخرون على وجهه في الطرقات العامة، وشرب سقراط كأس السم بين أفواه باسمة شماتة به وعيون دامعة حزنا عليه، وجرت الأقلام بمدح المتنبي تارة فإذا هو سيد الشعراء وبذمه أخرى فإذا هو أكبر المتكلفين، ورفع قوم شكسبير إلى مرتبة الكمال الإنساني فقالوا: نابغة الدهر وهبط به آخرون إلى أدنى منازل الخسة والدناءة فقالوا: المنتحل الكذاب، وافتتن المفتتنون بنابليون الأول فعلوا به إلى رتبة الأنبياء، وتنكر له خصومه وأعداؤه فسلكوه في سلك الحمقى والممرورين، وذاق كل من لوثر وكالفين وجليلو وفولتير ونيتشه وتولستوي كأسي الحب والبغض في حياته وبعد مماته إلى القطرة الأخيرة منهما، وما انقسم الناس في هذا البلد في هذا العصر في شأن رجل من الرجال انقسامهم في شأن جمال الدين ومحمد عبده وسعد زغلول ومصطفى كامل وقاسم أمين.
وما كان واحد من هؤلاء جميعا بالمنزلة التي يرفعه إليها المغرقون في حبه، أو ينزل به إليها الغالون في بغضه، ولكنهم كانوا