بل أشباحا وصورا تتراءى في سماء حياتنا, فنعجب بها ونستطير فرحا وسرورا بجمال منظرها وبهجة ألوانها, فأصبحنا معتدلين في آرائنا متئدين في أحكامنا، نحب حرية المرأة ولكنا نكره فسقها وفجورها، ونأخذ مواد المدنية والرقي من الأمم المتمدينة ولكنا لا نقلدها، ونحب أدب الغربيين وعلمهم ونعجب بأدبائهم وعلمائهم, ولكنا لا نحتقر من أجل ذلك رجالنا وتاريخنا.
نحن لا نطلب منكم معشر الأبناء وأنتم في ثورة الشباب ونشوته أن تكونوا معتدلين متئدين في أحكامكم وتصوراتكم, أو هادئين في مطامعكم وآمالكم فليس من الرأي أن نطلب عندكم ما لم نكن نطلبه عند أنفسنا، ولكن أمرا واحدا كنا نحرص عليه في عهدنا أشد الحرص هو الذي نطلب إليكم أن تحرصوا عليه مثلنا, وتضنوا به ضنَّنا:
كنا نعتقد مثلكم أننا خير من آبائنا وأجدادنا وأوسع منهم علما وأقوى إدراكا, وربما اعتقدنا في الكثير منهم كما تعتقدون فينا اليوم أنهم جاهلون أو مخرفون أو متأخرون أو جامدون إلا أن ذلك لم يكن يمنعنا من أن نحفظ لهم منزلة الأبوة وكرامتها، فلا نلقبهم بلقب من هذه الألقاب التي تلقبوننا بها, ولا نذكرهم في حضورهم أو غيبتهم بكلمة سوء تنغص عليهم ما قدر لهم أن يقضوه بيننا من