شعرات متفرقة فما أبه لذلك ولا احتفل به, ثم أمر أن تنتزع من رأسه خصلة من الشعر مرة واحدة فصرخ وتألم، فقال له: هكذا يجب أن يكون أخذ الأموال من الرعية متفرقا تحتمله، لا مجتمعا تتألم له.
الكاتب: حسبك من ذلك ثواب الله وأجره على إحسانك, وبذلك المال في سبيله وللآخرة خير وأبقى.
الوجيه: من أين يأتيني الثواب والأجر, وهل يثاب المرء إلا على نيته وإخلاصه في عمله، وإني أعترف لك عني وعن جميع الوجهاء أمثالي بما عرفت من أحوالهم، ومارست من طباعهم، أننا لا نريد من بذل ما نبذل إلا رضا الحاكم والتودد إليه وموافاة رغبته لاستكمال أسباب الوجاهة مرة وقضاء المآرب والحاجات أخرى، ووالله لقد أفسد علينا هؤلاء القوم بخطتهم هذه غرائزنا وسجايانا وعودونا من الرياء في الإحسان والنفاق في المعاملة خطة قست معها قلوبنا، واستحجرت أفئدتنا، حتى إن أحدنا لا يكاد يحسن بالدرهم الواحد إلى جاره الفقير البائس إلا أمام قاض فطن وشهود عدول، وحتى زهد فينا الفقراء ولوت المساكين وجوهها عن أبوابنا، وجفانا ذوو الرحم والأقرباء، وأصبحت قصورنا في نظرهم قبورا يستدرون لها الرحمات، لا يرجون منها