للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إشراق الشمس في دارتها, فتبعث العزيمة في قلب العاجر والشجاعة في فؤاد الجبان، وتقوم من الأخلاق معوجها، وتصلح من الآداب فاسدها، وتثبت من العقول مضطربها، وتعلم كل صغير وكبير وقوي وضعيف أن قيمة المرء في حياته أداء واجبه للإنسانية أولا ولأمته ثانيا ولنفسه أخيرا، وأن الحب سعادة الإنسان والبغض شقاؤه وبلاؤه، وأن الفرق بين الدين الخالص والدين المشوب أن الأول يتسع صدره لكل شيء حتى لمخالفيه ومحاربيه، وأن الثاني يضيق صدره بكل شيء حتى بنفسه، وأن الله تعالى أوسع رحمة وأعلى حكمة من أن يسد في وجوه عباده كل طريق للوصول إليه إلا طريق السيف والنار، وأن هذه الأحقاد الدنيئة التي تلتهب في صدور الناس التهابا لا تؤججها في صدورهم الأديان نفسها بل رؤساء الأديان الذين يستخدمونها, ويتجرون بها في أسواق الغباوة والجهل، وأن الذين يقدسون هذه الأحقاد ويباركونها ويعتبرونها جزءا من ماهية الدين ومقوما من مقوماته إنما يقولون من حيث لا يشعرون: إن الإلحاد في العالم والفوضى الدينية فيه وعبادة الشمس والقمر والتراب والحجر أنفع للمجتمع الإنساني, وأحسن عليه عائدة من عبادة الإله المعبود.

ولقد كان جرجي زيدان روحا من تلك الأرواح العالية

<<  <  ج: ص:  >  >>