للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وشأنها, لا تحفلي بها ولا تعوّلي على شيء مما فيها؛ فإن أصحابها الذين وضعوها غرباء عن هذا العالم لا يفهمون من شئونه شيئا إلا كما نفهم نحن من شئون عالم الجن أو سكان المريخ، بل هم قوم معتوهون ممرورون قضوا أيام حياتهم في معتزلاتهم الخاصة المملة, التي لا توجد فيها نافذة واحدة تشرف على العالم وما فيه, فملوا وسئموا وأرادوا أن يروحوا عن أنفسهم ويتلهوا بما يسري عنهم مللهم وسآمتهم، فأخذوا يدونون هذه المبادئ التي انتزعوها من جوانب أدمغتهم، لا من طبيعة المجتمع الذي يحيط بهم، ويقررون الآراء التي يستحسنونها ويعجبون بها لا التي تتفق مع طبيعة الكون ومزاجه، فهم ينصحون المجرم أن يقلع عن إجرامه, ثم يخيل إليهم أنه قد أقلع ونزع فيطلبون إلى من أجرم إليه أن يعفو عنه قائلين له: "إن العفو أشد أنواع الانتقام" كأن الفضيلة عندهم هي الحالة الأساسية للنفوس، وكأن الإجرام عرض من أعراضها الطارئة عليها, لا تلبث أن تهب عليه نسمة من نسمات العظة والاعتبار حتى تذهب به، فما أسخف عقولهم وما أقصر أنظارهم وما أبعدهم عن فهم حقائق الحياة وطبائع النفوس، دعي الكتب يا بنيتي لا تنظري فيها، وانزعي عنك همومك وأحزانك، وكلي الطعام الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>