للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنالك يأتينا نعيهم فنبكي ونندب ونهرع إلى الشاطئ والهين مدلهين, ونقف أمام ذلك العالم المجهول الغامض صائحين أن رد إلينا أيها الوحش المفترس بعولتنا وأولادنا وأفلاذ أكبادنا, أو تكشف عن نفسك قليلا علنا نرى جثثهم في قاعك، فلا نسمع ملبيا ولا مجيبا.

وهنا هدأت الزوبعة قليلا وخفتت أصوات الرياح, فسكن بعض ما بها ونهضت من مكانها فتناولت المصباح, وفتحت باب الكوخ وقلبت وجهها في أفق السماء لترى كم بقي بينها وبين الصباح، وكان الظلام لم يزل حالكا والمطر لم يزل متدفعا, فمدت يدها بالمصباح أمامها لترى هل من مقبل يتقدم أو شبح يتحرك, فلم يقع نوره إلا على كوخ بعيد منفرد لا نور فيه ولا حركة, فتذكرت حينما وقع عليه نظرها أنه كوخ تلك الأرملة المسكينة "جانت" التي مات زوجها غريقا منذ بضعة شهور وخلف لها أطفالا صغارا تقاسي الآلام الشداد والأهوال العظام في تدبير عيشهم وتقويم أودهم، فمر بخاطرها أن تزورها وتتعرف حالها؛ لأنها كانت تعلم أنها مريضة مدنفة, وأنها كابدت ليلة أمس من دائها عناء عظيما، وأقرب ما تكون النفوس إلى النفوس إذا جمعتها في صعيد واحد هموم الحياة وآلامها، فأخذت طريقها

<<  <  ج: ص:  >  >>