للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى ذلك الكوخ حتى بلغته, فوقفت على بابه وقرعته مرارا كثيرة فلم يرد عليها أحد, فدفعته ففتح فدخلت رافعة مصباحها بيدها فأنار لها ما حولها, فرأت بين يديها للنظرة الأولى ما أرعد فرائصها, واستوقف دقات قلبها, وأمسك الدم عن جريانه في عروقها.

رأت الكوخ يهتز ويضطرب في أيدي الرياح المتناوحة, ورأت مياه الأمطار تسيل من سقفه الواهي الأخرق فتبلل كل شيء فيه، ورأت فراشا قذرا من القش قد رقدت فوقه الأرملة "جانت" رقدة ساكنة جامدة لا حس فيها ولا حركة، فدنت منها فإذا هي ميتة، وإذا قطرات من الماء تنحدر على جبينها ورأسها وغطائها البالي الممزق، فوقفت أمام هذا المنظر المخيف المرعب ذاهلة مشدوهة, ثم صاحت:

هذه نهاية الفقراء على ظهر الأرض، وهذا مصيرهم الذي يصيرون إليه بعد جهادهم في سبيل الحياة زمنا طويلا.

إنهم يعيشون في هذا العالم مجهولين مغمورين لا يعرفهم أحد, ثم يخرجون منه متسللين متلاوذين لا يشعر بخروجهم أحد حتى أهلوهم وذوو أرحامهم.

ما يدريني أن لا يكون مصيري ومصير أولادي غدا هذا المصير الذي أراه الآن، وقد لا تدخل علينا في تلك الساعة

<<  <  ج: ص:  >  >>