جارة مثلي ترانا, وترثي لحالنا كما أرثي الآن لحال هؤلاء المساكين.
ثم خلعت رداءها فأسبلته على جثة الميتة ودارت بمصباحها في أنحاء الغرفة, فرأت طفليها الصغيرين نائمين على فراشهما وجها لوجه, وعلى ثغر كل منهما ابتسامة صغيرة كأن شبح الموت الهائم حول مضجعهما لا يخيفهما ولا يزعج سكونهما, ورأت رداء أمهما وكانت تعرفه قبل اليوم مسبلا على جسمهما, فخيل إليها أنها ترى منظر تلك المرأة المسكينة قبل ساعة أو ساعتين وهي تعالج في فراشها سكرات الموت ثم تلتفت من حين إلى حين إلى طفليها النائمين, والمطر يتساقط عليهما والبرد يعبث بأعضائهما فتشفق عليهما وترثي لهما حتى ضاقت بها ساحة الصبر, فخلعت عنها رداءها وهي أحوج ما تكون إليه وألقته عليهما, ثم ألقت بنفسها على فراشها وأسلمت روحها.
وقفت ماري أمام هذه المناظر المؤلمة والريح تئن أنين الوالهين المتسلبين والموج يعج عجيج أجراس الموت وقطرات الماء تنحدر من جبين الميتة إلى خديها الشاحبين كأنما هي تذرف دموع الحزن على فراق ولديها، وكان الفجر قد أخذ يمسح عن وجهه صبغة الظلام ويرسل بعض أشعته في جوانب الكوخ, فأطفأت المصباح الذي بيدها ووضعته جانبا, ثم جثت بجانب الميتة وصلت