هل كانت وطنيتهم نوبة من نوبات الجنون كما كان يشيع عنهم أعداؤهم, فلما استفاقوا رأوا أن ينتقموا من ذلك الإنسان الذي أثار في نفوسهم تلك العاطفة, وأجّج نارها في صدورهم؟
اللهم لا هذا ولا ذاك، وكل ما في المسألة أن الوزارة تريد البقاء في مركزها، ولا يمكنها البقاء فيه إلا إذا نفذت المشروع الإنجليزي المنتظر، ولا سبيل لها إلى ذلك إلا إذا فضت الأمة من حول سعد باشا وحملتها على الالتفاف حولها وتأييد سياستها، وقد عجزت عن أن تصل إلى ذلك فهي تزعمه وتدعيه, وتمثل هذه الرواية الغريبة التي هي أشبه الأشياء بقصة ذلك الرجل الذي أراد أن يتوسل إلى قلب حبيبته بعمل من أعمال البطولة التي يحبها النساء ويمنحن الرجال عطفهن من أجلها، كأن ينجيها من غرق أو ينقذها من هوة أو يخلصها من أيدي اللصوص, وهو أعجز الناس عن ذلك فاستأجر جماعة من الغوغاء واتفق معهم على تمثيل رواية خلاصتها أنهم يكمنون لها في طريق مرورها تحت جنح الظلام حتى إذا مرت بعربتها هجموا عليها, وتظاهروا بأنهم يريدون قتلها وسلبها, فيمر هو في تلك الساعة