في آذانهم، فهم دائما فارّون مطاردون كأنهم بعض المجرمين، لا عمل لهم في حياتهم سوى أن يسائلوا أنفسهم: أين يعيشون؟ وكيف يعيشون؟
إنهم لم يريدوا مطاردة جسمك بل نفسك، ونفسك باقية في مكانها لم تبرحه، ولم يعتقلوك من أجلك، بل من أجل القضاء على الروح الوطنية من بعدك، والروح الوطنية نامية زاهرة تضرب أعراقها في أعماق القلوب، وتهفو ذوائبها في آفاق السماء، ولم ينقموا عليك حياتك ولا وجودك، بل وقوفك في وجه متعتهم بمناصبهم التي هي كيان حياتهم وقوام أمرهم، والتي لا سبيل لهم إلى العيش إلا في ظلها، ولا الحياة إلا في دائرتها، ومناصبهم منغصة مهددة هي هامة اليوم أو غد.
فهم لم يفقدوا إلا وجهك، ولم ينالوا إلا من جسمك، ولم يحصلوا في أيديهم من كل ما عملوا إلا على إثم الجريمة وعارها.
آه يا سيدي لو تيسر لك أن تراهم لرأيت قوما معذبين متألمين, حائرين ذاهلين, لا يهنئون في نوم ولا يقظة، ولا يهدءون في سكون ولا حركة، قد ضاقت بهم الحيل، وتشعبت بهم السبل، وانتشرت عليهم الآراء والأفكار، لا يعلمون ماذا يأخذون وماذا يتركون، لا عمل لهم في حياتهم سوى