للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عباس وتمام بن عباس.

والتحقيق أن كلاً من علي وعثمان عينا الأكفياء من أقاربهما وغيرهم (١)، ولا يُتصور أنهما قدما الأقارب بسبب القرابة، وكانت الظروف التي تسود الولايات تقتضي اختياراً دقيقا للولاة من حيث القوة والأمانة، فلا تزال الفتوحات في الأقاليم الشرقية البعيدة غير مستقرة، فضلا عن مشكلات الخوارج في خلافة علي ومشكلات الروح القبلية في الأمصار وصعوبة ضبطها وتوجيهها لصالح المجتمع والدولة. والحق أن عثمان وعلياً اجتهدا للأمة في الحفاظ على مصالحها الدينية والدنيوية سواء أخطآ أو أصابا، وهما مأجوران في الحالين، ولا ينبغي اتهام نياتهما وإساءة تفسير دوافعهما دون دليل صحيح.

ومن القضايا الأخرى التي أثارها المؤلفون المعاصرون قضية عزل علي لولاة عثمان حيث اشتطت الأقلام في تفسير الموقف، فمنهم من يحمله على صلابة علي في الحق وضرورة التغيير لما أنكر على عثمان من تولية الأقارب، ومنهم من حمله على ضعف خبرة علي السياسية، وأن الأولى سياسيا إبقاء الولاة وخاصة معاوية حتى تستقر الأوضاع وتؤخذ البيعة لعلي في الأمصار، وهذه التفسيرات مبنية على خبر ضعيف يدور حول إبداء المغيرة رأيين متعارضين حول الموقف من الولاة (٢).

والتحقيق أن علياً كان يمتلك موهبة قيادة ومعرفة بالنفوس والأوضاع القائمة وأنه أقال الولاة ليختار سواهم حسب ما يراه ملائماً لتحقيق الانسجام الإداري والسياسي بين الخليفة وأعوانه، كما أن شخصيته وأخلاقه لا تمكنه من أساليب المراوغة والحيلة في استعمال صلاحياته.

ولو تأملنا في أنساب ولاة علي لوجدنا أحد عشر والياً منهم من الأنصار من


(١) ابن تيمية: منهاج السنة ٣: ١٧٣، ١٧٦.
(٢) الطبري: تأريخ ٤: ٤٣٨ - ٤٣٩.

<<  <   >  >>