كانت المدينة المنورة أهم مراكز الحركة الفكرية في عصر السيرة والراشدين، فهي دار السنة، ومجتمع الصحابة، ومنها انتشر العلم إلى بقية المدن والأمصار، بخروج عدد كبير من الصحابة منها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث استقروا في البلاد المفتوحة، ونشروا العلم والرواية فيها.
إن إلقاء نظرة على ما خصصه كل من خليفة بن خياط (ت (٢٤٠) هـ) في طبقاته ومحمد بن سعد (ت (٢٣٠) هـ) في طبقاته لتراجم علماء المدينة، ومقارنة ذلك بما خصصاه لبقية المدن، يكفي للدلالة على تفوق المدينة في العلم على ما سواها من المدن في ذلك العصر.
أما بقية مدن الحجاز فقد كان دورها في العلم ضئيلاً إذا ما قيست بالمدينة، وتبرز من بينها مكة بسبب مركزها الديني، واجتماع العلماء فيها في مواسم الحج. أما الأمصار الجديدة فتبرز الحركة العلمية في كل من: الكوفة، والبصرة، ودمشق، والفسطاط، حيث استقر فيها عدد كبير من الصحابة، إذ برزت في الكوفة مدرسة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الفقه، وفي البصرة مدرسة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في القراءات.
وتأتي دمشق بعد الكوفة والبصرة في الأهمية، ثم يأتي دور الفسطاط بمصر. أما