القبائل، تتناشد الأشعار وتتفاخر بالأحساب والأنساب، وتزهو بأخبار الكرم والشجاعة والمروءة، من أهم وسائل نقل التراث الذي كان ينمو بإضافة الأجيال اللاحقة على السابقة، وقد هيأت هذه الاجتماعات فرصاً هامة للتلاقح الثقافي واللغوي، ولتوحيد المقاييس النقدية والذوقية، وللتقريب بين لغات العرب، ومهدت بذلك لفهم القرآن الذي أنزل بلغه قريش.
[المبحث الأول: السمات العامة للتعليم]
إن الاعتماد الكبير على الذاكرة النشيطة في نقل التراث، وعدم اكتراث جمهور العرب بتعلم الكتابة والقراءة، أدَّيا إلى إعاقة ظهور مؤسسات التعليم، فلم يقم منها سوى الكتاب الذي لم ينتشر إلا على نطاق محدود في المراكز الحضرية، مثل مكة والطائف ويثرب، فلم يكن هناك تعليم عام، بل كانت الأمية هي الطاغية، وورد في الحديث:"إنَّا أمة أميه لا نكتب ولا نحسب"(١). وبالتالي لم تكن عندهم تقاليد متبلورة للتعليم، فكان أن حدد الإسلام المعالم كامله، فأوضح أهمية العلم وربطه بالدين، فعزز بذلك مكانة العلماء، وبيَّن آداب التعليم وتقاليده بعمق وشمول، فأصبحت تحتذى طوال القرون اللاحقة، ولا تزال قادرة على إعطائنا الكثير من القيم الثقافية والتربوية الراشدة، إذ ربما تكون من أهم معطيات عصر السيرة والراشدين في نطاق التعليم.
لقد قامت حركة التعليم في عصر السيرة والراشدين على أكتاف رجال يعدون