فتبادل أشياعه الرسائل التي يوضحون فيها تذمرهم وشكاواهم من عمال عثمان، وقد كانت هذه الرسائل تقرأ في الأمصار المختلفة، فتثير الفتن، وينشأ عند العامة تصور للسوء والفوضى والظلم الذي انحدرت إليه الدولة!! وأن ابن سبأ كان وراء الوفود المصرية والعراقية التي قدمت المدينة وحاصرت دار عثمان وقتلته.
ويرى البعض أن ما أورده الطبري عن أثر ابن سبأ في الفتنة لا يصمد للنقد التأريخي، لتفرد سيف بن عمر بمعظم الأخبار، وهو متروك عند المحدثين. ولكن ينبغي الانتباه إلى أن سيف بن عمر عمدة في التأريخ وإن كان متروكاً إذا روى أحاديث نبوية، وأن رواياته ينبغي أن تحظى بالنقد التأريخي مثل بقية الأخباريين، ويمكن أن نقبل فكرة وقوع المبالغة في أثر ابن سبأ في أحداث الفتنة مما يجعلنا نتلمس عواملها في الأوضاع العامة مع ملاحظة التطور الذي أصاب المجتمع الاسلامي نتيجة الانسياح في الهلال الخصيب.
[خبر الراكب الذي تعرض للوفد المصري]
كان الوفد المصري قد ناقش عثمان رضي الله عنه في الأمور التي أخذوها عليه، ثم "أخذوا ميثاقه وكتبوا عليه شرطاً، وأخذ عليهم إلا يشقُّوا عصاً ولا يفارقوا جماعة ما أقام لهم شرطهم، ثم رجعوا راضين. فبينا هم بالطريق إذا راكب يتعرض لهم ويفارقهم، ثم يرجع إليهم ثم يفارقهم.
قالوا: مالك؟
قال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر.
ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان، عليه خاتمه، إلى عامل مصر: أن يُصلِّبهم، أو يقتلهم، أو يقطع أيديهم وأرجلهم. فأقبلوا حتى قدموا المدينة، فأتوا علياً فقالوا: ألم تر إلى عدوِّ الله، كتب فينا بكذا وكذا، وإن الله قد أحلَّ دمه فقم معنا إليه.