وهذه الروايات تكشف عن شعارات المعارضة المعلنة، وترجع الدراسات الحديثة الفتنة إلى عوامل اقتصادية واجتماعية فيشيرون إلى تدفق الأموال في المجتمع الاسلامي نتيجة الفتوح، وظهور بوادر الترف في المجتمع، وحدوث تفاوت كبير في مستوى المعيشة نتيجة التباين في توزيع الثروة، وإلى توقف الفتوح في النصف الثاني من خلافة عثمان رضي الله عنه مما جعل الناس في الأمصار يحسون بالفراغ وينغمسون في الفتن والشغب على الحكام.
وأما كتب الأخبار والتأريخ فتعطي ابن سبأ دوراً كبيراً في الأحداث، وخلاصة الصورة التي يقدمها سيف بن عمر وآخرون نقلت عنهم كتب التأريخ وخاصة تأريخ الطبري، أن ابن سبأ يهودي من صنعاء أسلم في خلافة عثمان، وقام ببثِّ الدعاية ضده في الحجاز والعراق والشام ومصر وأن الولاة كانوا إذا أحسوا به طردوه إلى بلد آخر ...
وأنه أثار أبا ذر ضد معاوية زاعماً أن معاوية يقول إن المال مال الله، وأقنعه أنه يريد بذلك احتجاز المال ومنعه عن الرعية، لذلك طلب أبو ذر من معاوية أن يقول إن المال مال المسلمين، فوافقه معاوية ترضية له، ولكن أبا ذر استمر يعلن آراءه في سياسة المال والإنفاق، وأن فضول أموال الأغنياء يجب أن تُرد على الفقراء وإلا فإنها كنز حرام، فشكاه معاوية إلى عثمان فطلبه عثمان. وتذكر الروايات التأريخية أن ابن سبأ أثار تذمر عمار بن ياسر في مصر ضد عثمان، وأنه كان ذا عقلية ذكية فاستطاع أن ينظم دعاية واسعة ضد الخليفة عثمان وعمال الأمصار،
(١) خليفة: التأريخ ١٦٩ - ١٧٠ بإسناد إلى ابن سيرين صحيح، ولكنه منقطع ضعيف لأن ابن سيرين لم يدرك الأحاديث، ويعتقد برواية أبي سعيد مولى أبي أسيد (ابن عساكر: تاريخ دمشق- ترجمة عثمان- ٣٢٨ وهو أيضاً مرسل ابن سيرين).