للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي حافظت على إسلامها وولائها للدولة، وقد قاتلت جيوش الخلافة المرتدين سنة وأشهراً حتى أعادتهم إلى الإسلام والطاعة، وكان ذلك الموقف الحازم من الخليفة الراشد سبباً لإعادة توحيد الدولة، وتطبيق الشريعة على الناس، ولما رأى بعض الصحابة عدم مقاتلة المرتدين ومنهم عمر بن الخطاب واحتجوا بالحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله". فأوضح لهم أبو بكر الفهم الصحيح للأحاديث بالجمع بينها قائلاً: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً (وفي رواية: عقالاً) كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها". قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق (١). ورجع الصحابة جميعاً إلى رأي أبي بكر (٢). وكان اعتراضهم على قتال مانعي الزكاة فقط لأنهم متأولون للآية: (خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) (٣). فزعموا أن دفع الزكاة خاص به صلى الله عليه وسلم لأن غيره لا يطهرهم، ولا يصلي عليهم، فكيف تكون صلاته سكناً لهم!! ولم ينكروا الزكاة جحوداً، فلا يخرجهم التأويل عن الإسلام، وهؤلاء لم يقاتلهم أبو بكر إلا بعد أن دعاهم إلى الرجوع إلى دفع الزكاة، فلما أصروا قاتلهم. وأما الجاحدون للزكاة فيخرجون من الإسلام بإنكارهم فريضة من أركانه، وليس اعتراض الصحابة على قتالهم ولا على قتال أتباع مسيلمة وغيره من


(١) البخاري: الصحيح ٢: ١٣١، ١٤٧ و ٩: ١٩، ١١٥. ومسلم: الصحيح ١: ٥١.
(٢) الكلاعي: الاكتفا (حروب الردة) ٣٨، وسعيد بن منصور: السنن ٢: ٣٢٢، والبيهقي: السنن الكبرى ٨: ١٧٧.
(٣) التوبة ١٠٣.

<<  <   >  >>