للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أنقذ معاوية بتأويله للنص معنويات الجند الشامي، كما أنقذ معنويات قائده عمرو بن العاص الذي تبنى هذا التأويل بعد أن كان قد تملكته الرهبة، بل مضى يتأول حديثاً آخر كان يرويه: "إن قاتله وسالبه في النار. فقيل له: هو ذا أنت تقاتله؟ فقال: إنما قال قاتله وسالبه" (١). أي أن النص مخصص بالقاتل الفعلي وحده وإذا نفع التأويل في إقناع الشاميين، فإن مقتل عمار أذكى حماسة العراقيين فقد بان لهم بمقتله أن علياً محق، وأن معاوية باغ، وما في ذلك من دلائل النبوة (٢). ويبدو أن النصر لاح لهم بعد قتال شديد دام ثلاثة أيام بلياليها (٣). وقد التزم كلُّ من الطرفين بأحكام قتال البغاة، قال أبو أمامة- وهو صحابي شاهد عيان-: "شهدت صفين فكانوا لا يجهزون على جريح ولا يطلبون مولياً ولا يلبسون قتيلاً" (٤).

وقال أبو فاختة (ت (٩٠) هـ) - شاهد عيان ثقة-: "حدثني جار لي قال: أتيت علياً بأسير يوم صفين، فقال لي: أرسله، لا أقتله صبراً، إني أخاف الله رب العالمين، أفيك خير؟ بايع. وقال للذي جاء به: لك سلبه" (٥).

وقدَّر محمد بن سيرين (تابعي كبير ت (١١٠) هـ) عدد القتلى في صفين "بسبعين ألفاً، فما قدروا على عدِّهم إلا بالقصب، وضعوا على كل إنسان قصبة، ثم


(١) أحمد: السند (الفتح الرباني ٢٣: ١٤٣ بسند صحيح). وابن سعد: الطبقات الكبرى ٣: ٢٦٠ بسند صحيح.
(٢) ابن كثير: البداية والنهاية ٧: ٢٦٧.
(٣) ابن كثير: البداية والنهاية ٧: ٢٧٢ - ٢٧٣.
(٤) ابن سعد: الطبقات ٧: ٤١١، والحاكم: المستدرك ٢: ١٥٥ وصححه الألباني (إرواء الغليل ١١٤:٨).
(٥) عبد الرزاق: المصنف ١٠: ١٢٤ بإسناد صحيح، وسعيد بن منصور: السنن ٢: ٣٣٩

<<  <   >  >>