للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يمثل خصماً لدوداً للشاميين. ولعل من عوامل اختيار أبي موسى للتحكيم مهارته في القضاء وممارسته الطويلة في هذا الميدان في عهد النبوة وخلافة أبي بكر وعمر وعثمان (١).

ولا يرجع فشل التحكيم إلى شخصية أبي موسى بل إلى صعوبة حل الخلاف وإصرار الطرفين على مواقفهما السابقة، وعدم حيازة المحكمين على قوة محايدة تنفذ القرار. ومما يوضح سلامة التحكيم وحياده نص الوثيقة التي أقرها، بما في ذلك التسامح في رفض عمرو بن العاص صيغة أول وثيقة التحكيم التي تشير إلى إمرة علي للمؤمنين، لأن الشاميين لم يبايعوه على ذلك (٢). ولا يبت نص وثيقة التحكيم في القضية بل يوضح الإطار العام الذي يحكم المباحثات ويوضح الهدف منها وهو الإصلاح بين الأمة وعدم ردها إلى الفرقة والحرب، ويحدد زمناً لانتهائها، كما يحدد مكان التحكيم وأنه متوسط بين الكوفة والشام والحجاز، واشترطا رضا الطرفين عمن يحضر المباحثات، أما الشهود فيختار كل طرفٍ شهوده، وتلتزم الأمة بنصره قرارات التحكيم، كما يلتزم بذلك الشهود (٣).

وقد بقيت هذه الوثيقة محفوظة حيث اطلع عليها أبو اسحق الشيباني (محدث ثقة ت (١٤١) هـ) ووصفها بقوله: "صحيفة صفراء عليها خاتم من أسفلها وخاتم من أعلاها، وهما ختما علي ومعاوية ونقشهما- محمد رسول الله-" (٤).


(١) عبد الحميد علي ناصر: خلافة علي ٢٦١ - ٢٦٢.
(٢) أبو عبيد: الأموال ١٥٨ - ١٥٩ بسند حسن، وعبد الرزاق: المصنف ١٠: ١٥٧، ويعقوب بن سفيان: المعرفة والتأريخ ١: ٥٢٢، والنسائي: خصائص أمير المؤمنين علي ١٩٥.
(٣) البلاذري: أنساب الأشراف ٢: ق ٥٨ أ.
(٤) ابن سعد: الطبقات ٣: ٣٠ بسند حسن. وانظر محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية ٥٣٨ - ٥٤٤ حيث يمكن ملاحظة الاختلاف بين رواية البلاذري وأبي مخنف والجاحظ

<<  <   >  >>