أحدهما: ما لا يُطاق للعجز عنه، كتكليف الزَّمِن المشي، وتكليف الإنسان الطيران، ونحو ذلك. فهذا غير واقعٍ في الشريعة عند [جماهير] أهل السنَّة المثبتين للقدر.
والثاني: ما لا يُطاق للاشتغال بضدِّه، كاشتغال الكافر بالكفر؛ فإنه هو الذي صدَّه عن الإيمان، وكالقاعد في حال قعوده؛ فإن اشتغاله بالقعود يمنعه أن يكون قائمًا. والإرادة الجازمة لأحد الضدَّين تنافي إرادة الضدِّ الآخر، وتكليف الكافر الإيمان من هذا الباب.
ومثل هذا ليس بقبيحٍ عقلًا عند أحدٍ من العقلاء، بل العقلاء متَّفقون على أمر الإنسان ونهيه بما لا يقدر عليه حال الأمر والنهي لاشتغاله بضدِّه، إذا أمكن أن يترك ذلك الضدَّ ويفعل الضدَّ المأمور به.
وإنما النزاع هل يُسمَّى هذا تكليف ما لا يُطاق لكونه تكليفًا بما انتفت فيه القدرة المقارنة للفعل؟ فمن المثبتين للقدر مَنْ يُدخِل هذا في تكليف ما لا يُطاق، كما يقوله القاضي أبو بكرٍ والقاضي أبو يعلى وغيرهما، ويقولون: ما لا يُطاق على وجهين: منه ما لا يُطاق للعجز عنه، وما لا يُطاق للاشتغال بضدِّه.
ومنهم مَنْ يقول: هذا لا يدخل فيما لا يُطاق، وهذا هو الأشبه بما في الكتاب والسنَّة وكلام السلف؛ فإنه لا يُقال للمستطيع المأمور بالحجِّ إذا لم يحجَّ إنه كُلِّف بما لا يطيق، ولا يُقال لمن أُمِر بالطهارة والصلاة فترك ذلك كسلًا أنه كُلِّف ما لا يطيق» (١).