للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكن هذا متناقضًا، ولا هو مأمورٌ أن يجمع بين النقيضين؛ فإنه مأمورٌ بتصديق الرسول في كلِّ ما بلَّغ، وهذا التصديق لا يصدر منه.

ولو قيل له: آمن، ونحن نعلم أنك لا تؤمن بهذا الذي أُمِرت به، وهو أن محمَّدًا رسول الله، مع قدرتك عليه، وإذا صدَّقتنا في خبرنا أنك لا تؤمن لم يكن هذا تناقضًا.

وإيضاحه: أنه لم يؤمر بالإيمان بالرسول والتصديقِ بأنه لا يؤمن في حال واحدةٍ. بل أُمِر أوَّلًا بتصديق الرسول تصديقًا مطلقًا، وهو قادرٌ عليه، ثم وقع الخبر بكفره بعد تكذيبه، ولم يقل له: صدِّق ابتداءً بالرسول وبالخبر أنك لا تؤمن في وقتٍ واحدٍ (١).

النوع الثاني: ما لا يُطاق للاشتغال بضدِّه، كاشتغال الكافر بالكفر؛ فهذا جائزٌ.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة : (تكليف ما لا يُطاق)، وهو على ضربين:

أحدهما: تكليف ما لا يُطاق لوجود ضدِّه من العجز، وذلك مثل أن يكلَّف المقعد القيام، والأعمى الخطَّ ونقط الكتاب، وأمثال ذلك؛ فهذا مما لا يجوز تكليفه، وهو مما انعقد الإجماع عليه، وذلك لأن عدم الطاقة فيه ملحَقةٌ بالممتنع والمستحيل، وذلك يوجب خروجه عن المقدور، فامتنع تكليف مثله.

والثاني: تكليف ما لا يُطاق لا لوجود ضدِّه من العجز، مثل أن يكلَّف الكافر الذي سبق في علمه أنه لا يستجيب للتكليف، كفرعون وأبي جهلٍ وأمثالهم؛ فهذا جائزٌ. وذهبت المعتزلة إلى أن تكليف ما لا يُطاق غير جائزٍ. قال: وهذه المسألة كالأصل لهذه» (٢).


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٧٢).
(٢) مجموع الفتاوى (٨/ ٣٠١ - ٣٠٢).

<<  <   >  >>