فالله تعالى يخلق هذا النوع باعتبار الخير الراجح الذي فيه، لا باعتبار الشرِّ المرجوح الذي فيه. كخلق إبليس؛ فإنه ليس شرًّا محضًا، ففيه شرٌّ بالنسبة للكفَّار، وفيه خيرٌ للمؤمنين باعتبار وجود الكفر وما ترتَّب عليه من وجود الجهاد والصبر على الأذى الذي تميَّز به المؤمن من غيره، ورفع الله به درجات المؤمنين المجاهدين الصابرين في الجنَّة.
ولما كان خلق الله لهذا النوع باعتبار الخير الذي فيه؛ فإنه لا يُضاف إليه الشرُّ الجزئيُّ منه؛ فإن هذا موهمٌ أنه خلقه للشرِّ، وهذا قول الجبريَّة، وهو باطلٌ. فالشرُّ الذي فيه لا يُضاف إلى الله فعلًا ولا وصفًا، وإنما يدخل في مفعولاته، وفرقٌ بين الفعل والمفعول، فالشرُّ قائمٌ بمفعوله المباين له، لا بفعله الذي هو قائمٌ به.
ومما يزيد هذا بيانًا وإيضاحًا: أن الأشياء باعتبار انقسامها إلى الخير والشرِّ على ثلاثة أقسامٍ:
الأوَّل: الخير المحض، فهذا يخلقه الله ويُضاف إليه.
والثاني: الشرُّ المحض، فهذا لا يخلقه الله ولا يُضاف إليه.
والثالث: النسبيُّ الذي هو خيرٌ باعتبارٍ وشرٌّ باعتبارٍ، يخلقه الله للخير الراجح الذي فيه فيُضاف إليه بهذا الاعتبار، ولم يخلقه للشرِّ الذي فيه فلا يُضاف إليه بهذا الاعتبار.
فالذي يُضاف إلى الله هو الخير، إما الخير المحض، أو النسبيُّ الإضافيُّ. وأما الشرُّ فليس إليه، لا المحض ولا الإضافيُّ. وهذا معنى قول النبيِّ ﷺ:«والخير بيديك، والشرُّ ليس إليك»(١).