للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا كان هذا النوع -وهو الشرُّ النسبيُّ- إنما يُذكَر في النصوص على ثلاثة وجوهٍ:

[١] إما بطريق العموم؛ كقوله: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد: ١٦].

[٢] وإما بطريق إضافته إلى السبب؛ كقوله تعالى: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ [الفلق: ٢].

[٣] وإما أن يُحذَف فاعلُه، كقول الجنِّ: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: ١٠].

فهذا هو معتقد أهل السنَّة في إضافة الشرِّ إلى الله، ذكرته ملخَّصًا مرتَّبًا من كلامي شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وتلميذه الإمام المحقِّق ابن القيِّم. وها هي ذي بعض نصوصهما في تقريره.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: «وأما السيِّئة: فهو إنما يخلقها بحكمةٍ. وهي باعتبار تلك الحكمة من إحسانه؛ فإن الربَّ لا يفعل سيِّئةً قطُّ. بل فعله كلُّه حسنٌ وحسناتٌ، وفعله كلُّه خيرٌ؛ ولهذا كان النبيُّ يقول في دعاء الاستفتاح: «والخير بيديك، والشرُّ ليس إليك»؛ فإنه لا يخلق شرًّا محضًا، بل كلُّ ما يخلقه ففيه حكمةٌ هو باعتبارها خيرٌ، ولكن قد يكون فيه شرٌّ لبعض الناس، وهو شرٌّ جزئيٌّ إضافيٌّ. فأما شرٌّ كلِّيٌّ، أو شرٌّ مطلقٌ؛ فالربُّ منزَّهٌ عنه، وهذا هو الشرُّ الذي ليس إليه. وأما الشرُّ الجزئيُّ الإضافيُّ: فهو خيرٌ باعتبار حكمته؛ ولهذا لا يُضاف الشرُّ إليه مفردًا قطُّ، بل إما أن يدخل في عموم المخلوقات، كقوله: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٠١]، وإما أن يُضاف إلى السبب، كقوله ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ [الفلق: ٢]، وإما أن يُحذَف فاعلُه، كقول الجنِّ: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: ١٠]. وهذا الموضع ضلَّ فيه فريقان

<<  <   >  >>