للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكونيُّ منه ما يجب الرضى به، كالنعم التي يجب شكرها، ومن تمام شكرها الرضى بها. ومنه ما لا يجوز الرضى به، كالمعايب والذنوب التي يسخطها الله، وإن كانت بقضائه وقدره. ومنه ما يُستحَبُّ الرضى به، كالمصائب، وفي وجوبه قولان» (١).

الوجه الثاني: ما يُقدَّر على العبد من الكفر والبدع والمعاصي؛ فهذا النوع فيه تفصيلٌ؛ فإن ما يقدِّره الله منها له وجهان:

الأوَّل: من جهة كونها فعلًا للعبد وكسبًا له؛ فهي مكروهةٌ مسخوطةٌ، فلا يُشرَع الرضى بها، بل يُشرَع بغضها وسخطها؛ فإن الله يبغضها، كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧]، والكفر قد وقع من الناس فهو مقدَّرٌ، وقد قال تعالى: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: ١٠٨]، وهذا أمرٌ موجودٌ مقدَّرٌ من أقوال العباد، وقد أخبر الله أنه لا يرضاه، فإذا لم يرضه كيف يأمر العبد بأن يرضاه؟ بل الواجب على العبد أن يبغض ما يبغضه الله، ويرضى بما يرضاه الله (٢).

الثاني: من جهة كونها مخلوقةً للربِّ؛ فهي محبوبةٌ مرضيَّةٌ؛ لأن الله خلقها وقدَّرها لحكمةٍ، فيُشرَع الرضى بقضائه وقدره، ومتى لحظنا أن الله قضاها وقدَّرها رضينا عن الله وسلَّمنا لحكمه، وهذا من تمام الرضى بالله ربًّا ومالكًا ومدبِّرًا.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: «وأما الرضى بالمنهيَّات من الكفر والفسوق والعصيان؛ فأكثر العلماء يقولون: لا يُشرَع الرضى بها، كما لا تُشرَع محبَّتها؛ فإن الله سبحانه لا يرضاها ولا يحبُّها وإن كان قد قدَّرها وقضاها، كما قال


(١) شفاء العليل (٢/ ٧٦٢).
(٢) انظر: منهاج السنة (٣/ ٢٠٦).

<<  <   >  >>