للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالكفر والفسوق والعصيان ولا يحبُّه؛ كما لا يأمر به، وإن كان قد شاءه» (١).

قال ابن القيِّم: «أصل ذلك كلِّه هو الفرق بين محبَّة الله ورضاه، ومشيئته وإرادته الكونيَّة. ومنشأ الضلال في هذا الباب من التسوية بينهما، أو اعتقاد تلازمهما، فسوَّى بينهما الجبريَّة والقدريَّة، وقالوا: المشيئة والمحبَّة سواءٌ، أو متلازمان، ثم اختلفوا.

فقالت الجبريَّة: الكون كلُّه -قضاؤه وقدره، طاعته ومعاصيه، خيره وشرُّه-؛ فهو محبوبه. ثم بنوا على ذلك أنهم مأمورون بالرضاء بالقضاء، وهذه قضاءٌ من قضائه، فنحن نرضى بها، فما لنا ولإنكارها ومعاداة فاعلها.

وقالت القدريَّة النفاة: ليست المعاصي محبوبةً لله ولا مرضيَّةً له، فليست مقدَّرةً له ولا مقضيَّةً، فهي خارجةٌ عن مشيئته وخلقه. قالوا: ونحن مأمورون بالرضى بالقضاء، ومأمورون بسخط هذه الأفعال وبغضها وكراهتها، فليست إذًا بقضاء الله، إذ الرضى والقضاء متلازمان، كما أن محبَّته ومشيئته متلازمان، أو متَّحدان.

ومذهب سلف الأمَّة وأئمَّتها أنه مسخوطٌ للربِّ، مكروهٌ له قدرًا وشرعًا، مع أنه وُجِد بمشيئته وقضائه، فإنه يخلق ما يحبُّ وما يكره، فالكفر والشكر واقعان بمشيئته وقدره، وأحدهما محبوبٌ له مرضي، والآخر مبغوضٌ له مسخوطٌ» (٢).


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ٤٧٤، ٤٧٥). وانظر: مجموع الفتاوى (١١/ ٣٥٥).
(٢) باختصارٍ من مدارج السالكين (١/ ٢٦٦ - ٢٦٤).

<<  <   >  >>