للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ييسَّر لعمل أهل السعادة، ومَن كان من أهل الشقاوة فإنه ييسَّر لعمل أهل الشقاوة، وقد نُهِي أن يتَّكل الإنسان على القدر السابق، ويدع العمل. ولهذا كان مَنْ اتَّكل على القدر السابق، وترك ما أُمِر به من الأعمال هو من الأخسرين أعمالًا الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا، وكان تركهم لما يجب عليهم من العمل من جملة المقدور الذي يُسِّروا به لعمل أهل الشقاوة؛ فإن أهل السعادة هم الذين يفعلون المأمور ويتركون المحظور، فمن ترك العمل الواجب الذي أُمِر به وفعل المحظور متَّكلًا على القدر؛ كان من جملة أهل الشقاوة الميسَّرين لعمل أهل الشقاوة» (١).

وقال ابن القيِّم : «وبالجملة؛ فالقرآن من أوَّله إلى آخره صريحٌ في ترتُّب الجزاء بالخير والشرِّ والأحكام الكونيَّة والأمريَّة على الأسباب، بل ترتُّب أحكام الدنيا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما على الأسباب والأعمال.

ومَن تفقَّه في هذه المسألة وتأمَّلها حقَّ التأمُّل انتفع بها غاية النفع، ولم يتَّكل على القدر جهلًا منه وعجزًا وتفريطًا وإضاعةً، فيكون توكُّله عجزًا، وعجزه توكُّلًا، بل الفقيه كلَّ الفقه الذي يردُّ القدر بالقدر، ويدفع القدر بالقدر، ويعارض القدر بالقدر، بل لا يمكن الإنسان أن يعيش إلا بذلك؛ فإن الجوع والعطش والبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هي من القدر. فهذه المسألة من أشرف المسائل لمن عرف قدرها، ورعاها حقَّ رعايتها، والله المستعان» (٢).

وقال الشيخ حافظ حكمي : «اتَّفقت جميع الكتب السماويَّة والسنن النبويَّة على أن القدر السابق لا يمنع العمل ولا يوجب الاتِّكال عليه، بل يوجِب


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ٢٧٦ - ٢٧٥).
(٢) الجواب الكافي (ص: ٢٠ - ٢١).

<<  <   >  >>