للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغيب عن خلقه وحجبهم عن دَرَكه، كما أخفى أمر الساعة فلا يعلم أحدٌ متى إبَّان قيامها؛ ثم أخبر على لسان رسول الله بعض أماراتها وأشراطها» (١).

وقال الإمام الآجُرِّيُّ: «فاعلم -رحمك الله- أن الإيمان بهذا واجبٌ، قد أمر العباد أن يعملوا بما أُمِروا من طاعة الله، وينتهوا عما نُهوا عنه من المعصية، والله بعد ذلك موفِّقٌ مَنْ أحبَّ لطاعته، ومقدِّرٌ معصيته على من أراد غيرَ ظالمٍ لهم، ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [النحل: ٩٣]، ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣]، أحبَّ من عباده الطاعة وأمر بها، فكانت بتوفيقه، وزجر عن المعصية وأراد كونه غير محبٍّ لها ولا آمرًا بها، تعالى ﷿ عن أن يأمر بالفحشاء، وجلَّ أن يكون في ملكه ما لا يريد. هذا -رحمك الله- طريق أهل العلم من الصحابة، والتابعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ، وأئمَّة المسلمين» (٢).

وقال النوويُّ في شرح بعض الأحاديث المتقدِّمة: «وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتِّكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِق له، لا يقدر على غيره، ومَن كان من أهل السعادة يسَّره الله لعمل السعادة، ومَن كان من أهل الشقاوة يسَّره الله لعملهم، كما قال: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل: ٧]، و ﴿لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠]، وكما صرَّحت به هذه الأحاديث» (٣).

وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: «وقد بيَّن النبيُّ أن ذلك لا ينافي وجود الأعمال التي بها تكون السعادة والشقاوة، وأن مَنْ كان من أهل السعادة فإنه


(١) معالم السنن (٤/ ٣١٨ - ٣١٩).
(٢) الأربعون حديثًا (ص: ٩٢).
(٣) شرح النووي على مسلم (١٦/ ١٩٦).

<<  <   >  >>