للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب عَنْ هذه الشبهة أن يُقال لهم: هَذَا ردٌّ لجميع الشرائع، وإبطالٌ لجميع أحكام الكتب، ويترتَّب على هذا لوازم باطلةٌ. فإذا أمر الله في القرآن بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة؛ فلقائلٍ أن يقول: لماذا أصلِّي وأزكِّي؟ إن كنت سعيدًا فمصيري إِلَى السعادة، وإن كنت شقيًّا فمصيري إِلَى الشقاوة، وإذا نهى الله عن الزنى والربا؛ يَقُول القائل: لماذا أمنع نفسي ملذوذها، والسعادة والشقاوة مقضيَّتان قد فُرِغ منهما؟ وكان لفرعون أن يخاطب موسى لما أمره بالإيمان بمثل ذلك. ثم يفضي الأمر إِلَى منازعة الخالق، فيقول قائلٌ: مَا فائدة إرسالك الرسل، وسيجري مَا قدَّرتَه على العباد؟

بل يلزم من ترك العمل بالشرع اعتمادًا على القدر أن يقول: أنا لا آكل ولا أشرب، فإن كان الله قضى بالشبع والريِّ حصل، ولافائدة في الأكل والشرب. وغيرها من اللوازم الباطلة.

ولهذا أجاب الرسول أصحابه حين قالوا: ألا نتَّكل؟ فقال: «اعملوا؛ فكلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِق له». فبيّن أن للآدميِّ كسبًا هو اختياره، فعليه يقع الثواب والعقاب، فَإِذَا خالف تبيَّن لنا أن اللَّه ﷿ قضى فِي السابق بأن يخالفه، وإنما يعاقبه عَلَى خلافه لا عَلَى قضائه (١).

الشبهة الثانية: شبهة مَنْ يرون شهود (الحقيقة الكونيَّة) دون (الدينيَّة)، وأن العارفين أهل التوحيد هم الذين فنوا في توحيد الربوبيَّة بشهود هذه الحقيقة فسقط عنهم الأمر والنهي، ويجعلون الأمر والنهي للمحجوبين الذين لم يشهدوا الحقيقة الكونيَّة (٢).


(١) تلبيس إبليس (ص: ٣٢١)، مجموع الفتاوى (٨/ ٢٨٤).
(٢) العبودية (ص: ٦٤).

<<  <   >  >>