للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام أحمد في أصول السنَّة: «وأن لا يخاصم أحدًا ولا يناظره، ولا يتعلَّم الجدال؛ فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروهٌ ومنهيٌّ عنه، لا يكون صاحبه -وإن أصاب بكلامه السنَّة- من أهل السنَّة حتى يدع الجدال ويؤمن بالآثار» (١).

وقال الإمام الطحاويُّ: «وأصل القدر سرُّ الله تعالى في خلقه، لم يطَّلع على ذلك ملكٌ مقرَّبٌ، ولا نبيٌّ مرسلٌ. والتعمُّق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلَّم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كلَّ الحذر من ذلك نظرًا وفكرًا ووسوسةً؛ فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣]. فمن سأل: لم فعل؟ فقد ردَّ حكم الكتاب، ومَن ردَّ حكم الكتاب، كان من الكافرين» (٢).

وقال ابن بطة: «وقد كان سلفنا وأئمَّتنا -رحمة الله عليهم- يكرهون الكلام في القدر، وينهون عن خصومة أهله ومواضعتهم القول أشدَّ النهي، ويتَّبعون في ذلك السنَّة وآثار المصطفى » (٣).

وقال ابن عبد البرِّ: «والقدر سرُّ الله، لا يُدرَك بجدال، ولا يشفي منه مقالٌ، والحجِاج مرتجةٌ (٤) مغلقةٌ، لا يفتح شيءٌ منها إلا بكسر شيءٍ، وقد تواترت الآثار


(١) أصول السنة لأحمد بن حنبل (ص: ٢٠ - ٢١).
(٢) الطحاوية مع شرحها (ص: ٢٢٥).
(٣) الإبانة الكبرى (٣/ ٢٣٨).
(٤) الحِجاج: جمع حُجَّةٍ، والحُجَّة هي: البرهان. وقال الأزهريُّ: الحجَّة الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة. ومرتجةٌ: أي مغلقةٌ، يُقال: أرتج الباب ورتجه إذا أغلقه، ومنه قول الناس: أُرتِج على فلانٍ في منطقه، إذا انغلق عليه الكلام. والمقصود أن المحاجَّة في القدر طريقها مغلقٌ لا سبيل فيها لتحصيل العلم؛ لأن القدر سرُّ الله. انظر: جمهرة اللغة لابن دريد (١/ ٣٨٥)، وتهذيب اللغة للأزهري (٣/ ٢٥١)، ومجمل اللغة لابن فارس (ص: ٤١٧).

<<  <   >  >>