للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالوا: إن الأمر والنهي والثواب والعقاب كلُّها شرعيَّةٌ، وهي لا ترجع لحكمةٍ، بل لمحض الإرادة، فليس في الطاعة معنىً يناسب الثواب، ولا في المعصية معنىً يناسب العقاب، ولا كان في الأمر والنهي حكمةٌ لأجلها أمر ونهى. وأنه يجوز أن يأمر بما هو سيِّئٌ حتى الشرك والظلم والفواحش، وينهى عما هو حسنٌ حتى التوحيد والعدل والطاعة (١).

قال الجوينيُّ: «العقل لا يدلُّ على حسن شيءٍ ولا قبحه في حكم التكليف، وإنما يُتلقَّى التحسين والتقبيح من موارد الشرع وموجَب السمع. وأصل القول في ذلك: أن الشيء لا يحسن لنفسه وجنسه وصفةٍ لازمةٍ له، وكذلك القول فيما يقبح، وقد يحسن في الشرع ما يقبح مثله المساوي له في جملة أحكام صفات النفس، فإذا ثبت أن الحسن والقبح عند أهل الحقِّ لا يرجعان إلى جنسٍ وصفة نفسٍ، فالمعنيُّ بالحسن: ما ورد الشرع بالثناء على فاعله، والمراد بالقبيح: ما ورد الشرع بذمِّ فاعله» (٢).

وقال الإيجي: «القبيح ما نُهِي عنه شرعًا، والحسن بخلافه. ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها، وليس ذلك عائدًا إلى أمرٍ حقيقيٍّ في الفعل يكشف عنه الشرع، بل الشرع هو المثبِت له والمبيِّن، ولو عكس القضيَّة فحسَّن ما قبَّحه وقبَّح ما حسَّنه؛ لم يكن ممتنعًا، وانقلب الأمر» (٣).

وقال ابن حزمٍ: «لا سبيل إلى أن يكون مع الباري تعالى في الأزل شيءٌ موجودٌ أصلًا قبيحٌ ولا حسنٌ ولا عقلٌ يقبح فيه شيءٌ أو يحسن، فقد وجب يقينًا أن لا يمتنع من قدرة الله تعالى وفعله شيءٌ يحدثه لقبحٍ فيه، ووجب أن


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٦٨)، (٨/ ٤٣٣)، مدارج السالكين (١/ ٢٤٧).
(٢) الإرشاد (ص ٢١١ - ٢١٠).
(٣) المواقف (٣٢٣).

<<  <   >  >>