لا يلزمه تعالى شيءٌ لحسنه؛ إذ لا قبح ولا حسن البتَّة» (١).
الرد عليهم:
قول الأشاعرة هذا باطلٌ، وهو مخالفٌ للأدلَّة من الكتاب والسنَّة والعقل والفطر السليمة من عدَّة وجوهٍ:
الأول: مبالغتهم في نفي التحسين والتقبيح العقليَّين في خطاب الشرع، وزعمهم عدم تمييز العقل قبل ورود الشرع بين خيرٍ وشرٍّ وعدلٍ وظلمٍ وصدقٍ وكذبٍ وأمانةٍ وخيانةٍ، وهذا باطلٌ مخالفٌ للنصوص والعقل والفطر السليمة.
فإن العقلاء مجمعون على اختلاف أديانهم، وتفاوت عقولهم، وتنوُّع ثقافاتهم، وتفاوت أزمانهم، وتباعد أمصارهم؛ على أن العقول تميِّز بين حسن العدل والصدق، وقبح الظلم والكذب، والمدح بما هو حسنٌ من تلك الخصال، والذمِّ بما يضادُّها من الخصال القبيحة.
فكيف وقد اعتضد العقل بالشرع، وذلك في مخاطبة الله في كتابه الحكيم الناسَ بحججٍ عقليَّةٍ تتضمَّن إدراك العقول وتمييزها بين الخير والشرِّ وبين الحسن والقبيح وبين الممدوح والمذموم من الأفعال والأخلاق، ثم يختم هذه الحجج بالاستفهامات الإنكاريَّة:(أَفَلَا تَعْقِلُونَ)؟ (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)؟ (أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ)؟ المتضمِّنة الإنكار عليهم في عدم تعقُّلهم وتذكُّرهم وتفكُّرهم في هذه الحجج التي يدركونها بعقولهم، ولو كانوا لا يدركونها بعقولهم لم يخاطبهم بها محتجًّا بها على توحيده وصدق رسله، ولم تكن فيها حجَّةٌ، وكان هذا بمنزلة مَنْ يخاطب بهذه الحجج مجنونًا لا يعقل أو أعجميًّا لا يفهم أو صبيًّا لا يميِّز، وهو مما يتنزَّه عنه كلام أحكم الحاكمين.