للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأخيار، وهو سبحانه أنكر التسوية»، ثم ساق الآيتين السابقتين (١).

الثالث: نفيهم الحكمة عن الله في الأمر والنهي والثواب والعقاب، وزعمهم أن ذلك لا يرجع لحكمةٍ، بل لمحض الإرادة، وأنه يجوز على الله أن يأمر بالشرك والظلم والفواحش وينهى عن التوحيد والعدل والطاعة.

وهذا باطلٌ معلوم البطلان بدلالة النصوص وإجماع السلف والأئمَّة من بعدهم.

فإن الله أثبت لنفسه الحكمة من وجوهٍ متعدِّدةٍ؛ فمن أسمائه: (الحكيم). قال تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [التحريم: ٢]. وهو متَّصفٌ (بالحكمة). قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٨]. ووصف كتابه بأنه حكيمٌ، فقال سبحانه: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [لقمان: ٢]. ووصف نبيَّه بأنه يعلِّم أمَّته الحكمة -وهي السنَّة في أشهر أقوال المفسِّرين (٢) -. قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران: ١٦٤]. وهو الذي يؤتي الحكمة مَنْ شاء من خلقه، وهذا من آثار حكمته البالغة. قال تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩]. وأثبت الملائكة الكرام -وهم أعلم الخلق بربِّهم- لله تعالى الحكمة والعلم. قال تعالى مخبرًا عنهم: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢].

والأدلَّة في هذا كثيرةٌ لا تكاد تُحصى.


(١) النبوات (٢/ ٩٢٧).
(٢) وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة، ومقاتل، وأبي مالك وغيرهم. انظر تفسير الطبري (٢/ ٥٧٦)، وزاد المسير لابن الجوزي (١/ ١١٣)، وتفسير ابن كثير (١/ ٤٤٤).

<<  <   >  >>