للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الشيخ عبد العزيز بن بازٍ : «الإنسان مُسَيَّرٌ ومُيَسَّرٌ ومُخَيَّرٌ؛ فهو مُسَيَّرٌ ومُيَسَّرٌ بحسب ما مضى من قدر الله؛ فإن الله قدَّر وقضى ما يكون في العالم قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنةٍ، قدَّر كلَّ شيءٍ ، وسبق علمه بكلِّ شيءٍ، كما قال : ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٩]، وقال سبحانه: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢].

ومن أصول الإيمان: الإيمان بالقدر خيره وشرِّه. فالإنسان مُيَسَّرٌ ومُسَيَّرٌ من هذه الحيثيَّة لما خُلِق له، على ما مضى من قدر الله، لا يخرج عن قدر الله، كما قال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [يونس: ٢٢]. وهو مُخَيَّرٌ أيضًا من جهة ما أعطاه الله من العقل والإرادة والمشيئة؛ فكلُّ إنسانٍ له عقلٌ إلا أن يُسلَب كالمجانين، ولكن الأصل هو العقل؛ فمَن كان عنده العقل فهو مُخَيَّرٌ يستطيع أن يعمل الخير والشرَّ. قال تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٨ - ٢٩]، وقال -جل وعلا-: ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [الأنفال: ٦٧]» (١).

وقال الشيخ محمَّد بن عثيمين في جواب مَنْ سأل: هل الإنسانُ مُخَيَّرٌ أم مُسَيَّرٌ؟ «على السائل أن يسأل نفسه: هل أجبره أحدٌ على أن يسأل هذا السؤال؟ وهل هو يختار نوع السيَّارة التي يقتنيها؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة، وسيتبيَّن هل هو مُسَيَّرٌ أو مُخَيَّرٌ.

ثم يسأل نفسه: هل يصيبه الحادث باختياره؟ هل يصيبه المرض باختياره؟ هل يموت باختياره؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة، وسيتبيَّن له الجواب هل هو مُسَيَّرٌ أو مُخَيَّرٌ؟

والجواب: أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب. واسمع إلى قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا﴾ [النبأ: ٣٩]، وإلى قوله تعالى: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: ١٥٢].

ولكن العبد إذا أراد شيئًا وفعله علمنا أن الله تعالى قد أراده؛ لقوله تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٨ - ٢٩]،


(١) مجموع فتاوى ومقالات متنوّعة لسماحة الشّيخ عبد العزيز بن باز (٨/ ٩٤ - ٩٥).

<<  <   >  >>