للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلكمال ربوبيَّته لا يقع شيءٌ في السموات والأرض إلا بمشيئته تعالى.

وأما الأمور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره؛ كالمرض والموت والحوادث؛ فهي بِمحض القدر وليس للعبد اختيارٌ فيها ولا إرادةٌ، والله الموفَّق» (١).

فتبين بهذا أن الإنسان ليس مسلوبَ الإرادة والمشيئة مطلقًا، وليست مشيئته وإرادته نافذةً دائمًا، وليس هو مسيَّرًا -على ما يعبِّر به البعض-، ولا مخيَّرًا

-على ما يعبِّر به آخرون-.

وإنما له مشيئةٌ واختيارٌ في أفعاله الاختياريَّة بعد مشيئة الله، دون ما قدَّره الله عليه من المصائب والحوادث مما لا يحصل بمشيئته واختياره، وإن كان هو مُتسبِّبًا فيها.

ولكن ههنا تنبيهٌ مهمٌّ: وهو أن هذا المعنَى الذي دلَّت عليه النصوص يجب أن يُعبَّر عنه بالألفاظ الشرعيَّة، والقول بأن (الإنسان مُسَيَّرٌ أو مُخَيَّرٌ)؛ لم يأتِ في النصوص التعبير به عن هذا المعنَى -فيما أعلم-. وإنما جاء في النصوص ذكر الإرادة والمشيئة؛ كما قال تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٨ - ٢٩]، وقال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ [الإسراء: ١٨]. فأثبت الله تعالى للعباد مشيئةً وإرادةً، ثم بيَّن أنها لا تنفذ ولا تتحقَّق إلا بإرادته ومشيئته.

وموقف السلف مِنْ الألفاظ المجملة: تَجَنُّب إطلاقها نفيًا أو إثباتًا؛ ولهذا كره السلف إطلاق لفظ: (التأثير)، ولفظ: (الجبر)، وهما في معنَى القول بأن الإنسان (مُخَيَّرٌ أو مُسَيَّرٌ)، أو مقاربان له.


(١) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين (٢/ ٩٠، ٩١).

<<  <   >  >>