قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وكذلك لفظ (الجبر) فيه إجمالٌ؛ يُراد به إكراه الفاعل على الفعل بدون رضاه، كما يُقال:«إن الأب يجبر المرأة على النكاح»، والله تعالى أجلُّ وأعظم من أن يكون مُجْبِرًا بهذا التفسير؛ فإنه يخلق للعبد الرضى والاختيار بما يفعله، وليس ذلك جبرًا بهذا الاعتبار. ويُراد بالجبر خلق ما في النفوس من الاعتقادات والإرادات؛ كقول محمَّد بن كعبٍ القرظِيِّ:«الجبَّار الذي جبر العباد على ما أراد»، وكما في الدعاء المأثور عن عليٍّ ﵁:«جبَّار القلوب على فطراتها شقيِّها وسعيدها»، والجبر ثابتٌ بهذا التفسير.
فلما كان لفظ (الجبر) مجملًا نهى الأئمَّة الأعلام عن إطلاق إثباته أو نفيه …
وكذا لفظ (التأثير)؛ فيه إجمالٌ؛ فإن القدرة مع مقدورها كالسبب مع المسبَّب، والعلَّة مع المعلول، والشرط مع المشروط؛ فإن أُرِيد بالقدرةِ القدرةُ الشرعيَّة المصحِّحة للفعل المتقدِّمة عليه؛ فتلك شرطٌ للفعل، وسببٌ من أسبابه، وعلَّةٌ ناقصةٌ له. وإن أُرِيد بالقدرةِ القدرةُ المقارنة للفعل المستلزمة له؛ فتلك علَّةٌ للفعل، وسببٌ تامٌّ. ومعلومٌ أنه ليس في المخلوقات شيءٌ هو وحده علَّةٌ تامَّةٌ وسببٌ تامٌّ للحوادث بِمعنَى أن وجوده مستلزمٌ لوجود الحوادث، بل ليس هذا إلا مشيئة الله تعالى خاصَّةً، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن» (١).
فلفظ:(مُسَيَّر)، هو في معنَى (مجبور)، أو قريبٌ منه.
كما أن لفظ (مُخَيَّر) مقاربٌ لقول مَنْ يقول: (إن الإنسان مؤثِّرٌ في فعله)؛ لأن مَنْ يقول:(إن الإنسان مُخَيَّرٌ)؛ يريد أنه قادرٌ على أن يفعل أو لا يفعل، وهذا حقيقة القدرة والتأثير.