للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محلُّ نظرٍ، والصواب: أن العبد له إرادة ومشيئة على الطاعات والمعاصي لكن إرادته مشيئته لا تكون نافذة إلا بمشيئة الله.

وكذلك الأعمال المقدَّرة عليه من الأمراض والحوادث؛ فهي وإن كانت مقدَّرةً على العبد من الله؛ إلا أن العبد متسبِّبٌ في ما يصيبه من المصائب، كما أخبر سبحانه في قوله: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠]، وقال تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥]، وقال -عزَّ من قائلٍ-: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩].

قال ابن جريرٍ في تفسير آية الشورى: «فإنما يصيبكم ذلك عقوبةً من الله لكم بما اجترمتم من الآثام» (١).

وذهب جمعٌ من المفسِّرين في تفسير آية آل عمران أن قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾، إشارةٌ إلى مخالفة الرماة يوم أحدٍ بتركهم الجبل وقد أمرهم النَّبِيُّ بلزومه، وقيل: إشارةٌ إلى أنهم يوم بدرٍ خُيِّروا بين قتل أسارى بدرٍ وأخذ الفداء، على أن يستشهد منهم في العام القابل قدر الأسارى (٢).

قال الشيخ محمَّد الأمين : «وعلى هذا؛ فالمعنَى: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾؛ حيث اخترتم الفداء واستشهاد قدر الأسارى منكم» (٣).

فظاهرٌ من هذا أن ما أصابهم كان بسبب اختيارهم ذلك. وهذا التفسير


(١) تفسير الطّبري (١١/ ١٥٠).
(٢) انظر: تفسير الطّبري (٣/ ٥٠٧)، وتفسير البغوي (ص: ٢٥٥)، وتفسير ابن كثير (ص: ٣٠١)، وأضواء البيان (ص: ١٢٣).
(٣) أضواء البيان (ص: ١٢٤).

<<  <   >  >>