للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رجاء بن حيوة قائلا له: «بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر .. » فقال مكحول: «لا والله، أصلحك الله، ما ذاك من شأني ولا قولي» كما تقدم في الأثر السابق، وليس لنا الحكم إلا على الظاهر، ونهينا عن التنقيب عن بواطن الناس وعلى ما في قلوبهم، وقد قال النبي لأسامة لما قتل الرجل بعد أن قال: (لا إله إلا الله) وقول أسامة «إنما قالها خوفًا من السلاح» فقال النبي : «أفلا شققت عن قلبه .. » (١).

وإذا كان هذا في كافر لم يعرف بإسلام قبل التلفظ بالكلمة فكيف بتابعي جليل وإمام في السنة كبير وشيخ الشام في وقته؛ كيف لا تُقبل علانيته وقد نفى التهمة عن نفسه مقسمًا ببراءته من القدر وأنه ليس من شأنه ولا قوله؟!!

الثاني: أن مكحولًا قد برأه من القدر الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وهما إمامان جليلان من أجلِّ أصحاب مكحول ومن أكثر أصحابه مجالسة له. قال أبو زرعة الدمشقي: «قلت، يعني لدحيم: من بعد عبد الرحمن بن يزيد بن جابر من أصحاب مكحول؟ قال: الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز. قلت: فسعيد أكثر مجالسة لمكحول من الأوزاعي؟» (٢) وأعرف الناس بالعالم تلاميذه وخاصة طلابه وقد نفيا عنه القدر وتقدم قولاهما في ذلك فلا يلتفت لقول غيرهما في شيخهما.

الثالث: قول ليث وهو: ليث بن أبي سليم في مكحول «وكان مكحول يعجبه كلام غيلان .. » (٣) فنقل ليث عن مكحول لا يَقوى على معارضة قول الأوزاعي


(١) أخرجه مسلم (٩٦).
(٢) تهذيب الكمال (١٠/ ٥٤٢ - ٥٤٣) تاريخ دمشق (٢١/ ٢٠٠).
(٣) تقدم تخريجه ص (٢٤١).

<<  <   >  >>