للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«أي: بشيء يسير منهما؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله، أو الجوع، لهلكوا، والمحن تمحص لا تهلك» (١).

وهذا يدل على أن الذي نسب إلى قتادة شيء يسير من القدر لا كلام القدرية الباطل، وبالتالي فنسبته للقدر على الإطلاق محل نظر، هذا مع ما يعتري هذا الإطلاق من أن يكون متوهَّمًا من كلامه على ما سيأتي إيضاحه.

ومنها ما ورد بصيغة: «أنه يكتم القول بالقدر» كما في قول أحمد عن قتادة وسعيد: «يقولان بالقدر ويكتمان». وقول العجلي عن قتادة: «وكان لا يدعو إليه، ولا يتكلم فيه» وهذا يدل على أن قتادة لم يصرح بالقدر ظاهًرا ولم يتكلم فيه بشيءٍ ولم يدع إليه، وغاية ما بلغ هؤلاء الأئمة أنه يخفيه وبناء الأحكام في الدنيا إنما هو على الظاهر كما تقدم تقريره، وهؤلاء الأئمة أمناء في النقل فنقلهم ما بلغهم في مقام جرح الرواة ليتحقق منه احتياطًا لصيانة العلم والحذر من أهل البدع؛ لا يدل على تبنيهم لهذا.

وأما قول ابن شوذب: «ما كان قتادة يرضى حتى يصيح به صياحًا، يعني: القدر».

فهذا كلام محتمل أنه يصيح به على وجه الإثبات أو على وجه النفي للقدر.

والذهبي حمله على النفي وعلق بعده بما يدل على ذلك (٢)، فإن كان هذا بقرينة تدل على ذلك فنعم، وإلا فاللفظ محتمل، ويقوي المعنى الآخر ما تقدم نقله عن الأئمة أن قتادة كان يكتم ذلك، أي: «القول ببدعة القدر» فكيف يقال هنا: إنه كان يصيح به؟! فهذا مما يرجح أن هذا القول سيق في مقام الذب عن قتادة وأنه أبعد ما يكون عن القول بقول القدرية، ولا يكتفي


(١) تفسير السعدي (ص: ٧٦).
(٢) انظر: سير أعلام النبلاء (٥/ ٢٧٧).

<<  <   >  >>