للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في إثبات القدر حتى يصيح به صياحًا، والله أعلم.

وأما قول سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي: أن قتادة كان يقول: «كل شيء بقدر إلا المعاصي» (١)؛ فهو صريح في نسبته للقدر، لكن هل هذا نص كلامه؟ فإن كان كذلك فهو ظاهر في قوله بالقدر -عفا الله عنه-، وإن كان هذا إنما هو بما فهمه الإمامان سعيد وهشام من كلامه؛ فليس بحجة على نسبة قتادة للقول بالقدر، فكثيرًا ما يُحمل بعض كلام أهل العلم على غير ما قصدوه -كما سبق التنويه عليه سابقا-.

ويقوي هذا الاحتمال أن المحفوظ المتداول من قول قتادة هو قوله: «لا والله ما أكره الله عبدًا على معصية قط ولا على ضلالة ولا رضيها له ولا أمره، ولكن رضي لكم الطاعة فأمركم بها، ونهاكم عن معصيته»، فلعل سعيدًا وهشامًا فهما من قوله هذا ما نقلاه عنه بالمعنى، ويؤكد هذا قول شيخ الإسلام السابق في التعليق على قول قتادة المتقدم: «وهذا الذي قاله قتادة قد يُظن فيه أنه من قول القدرية، وأنه لسبب مثل هذا اتهم قتادة بالقدر» (٢).

وكلام قتادة ظاهر جدًّا في أنه ينفي الإكراه على المعاصي وينفي رضى الله بها، وهذا كله حق ولوكان من قوله نفي التقدير لصرح به هنا، وهذا نص صريح في بيان قوله في المعاصي وكلامه هذا يدل على رسوخه في هذه المسألة؛ فإن هذا التفصيل الذي ذكره من أدق ما ذكر في هذا الباب، بل لعله أول من نبه عليه وهو تفريقه بين إكراه العبد على المعصية، وكونها مقدرة عليه؛ فالأول منفي والثاني ثابت، وكذلك نفيه رضى الله بها لا يتنافى مع تقديرها، ولو أن قتادة يرى نفي تقدير المعاصي لصرح به هنا، وهذا مما يدل على أن


(١) تاريخ الإسلام (٧/ ٤٥٥).
(٢) انظر ما تقدم ص (٢٥١).

<<  <   >  >>