قالوا: إن الله أكره العباد وأجبرهم على أعمالهم، فليس لهم فعلٌ، ولا إرادةٌ، ولا اختيارٌ، ولا كسبٌ ألبتَّة، وحال بينهم وبين الهدى ابتداءً من غير ذنبٍ ولا سببٍ من العبد يقتضي ذلك، فلم يُيَسِّر إليه سبيلًا ولا أعطاه عليه قدرةً.
١٥) يعتقد أهل السنَّة أن الإرادة التي يتَّصف بها الله ﵎ تنقسم إلى قسمَين:
(١) إرادةٌ كونيَّةٌ قدريَّةٌ، وهي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث، والمتعلِّقة بما قدَّره الله وقضاه، وهي مستلزمةٌ للوقوع.
(٢) إرادةٌ دينيَّةٌ شرعيَّةٌ، وهي متعلِّقةٌ بالأمر الذي أراد الله من عباده فعله شرعًا، وهي غير مستلزمةٍ للوقوع إلا إذا تعلَّقت بالإرادة الكونيَّة. وقد دلَّت الأدلَّة على هاتين الإرادتين، وإثباتهما جميعًا هو عقيدة أهل السنَّة.
١٦) قد تجتمع هاتان الإرادتان وقد تفترقان، وقد توجد إحداهما دون الأخرى، ولذلك أربع صورٍ:
الصورة الأولى: ما تعلَّقت به الإرادتان، وهو ما وقع في الوجود من الأعمال الصالحة؛ كإيمان أبي بكرٍ وسائر المؤمنين، وحصول الطاعات منهم.
الصورة الثانية: ما تعلَّقت به الإرادة الدِّينيَّة فقط، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة، فعصى ذلك الأمرَ الكفَّارُ والفجَّارُ؛ كإيمان أبي جهلٍ وسائر الكافرين، وما أراده الله من طاعتهم.
الصورة الثالثة: ما تعلَّقت به الإرادة الكونيَّة فقط، وهو ما قدَّره الله وشاءه من الحوادث التي لم يأمر بها؛ كالمباحات، والمعاصي الواقعة في الناس، ولولا إرادته لها كونًا لما وقعت.